بناء على طلب من الجزائر، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة استمع خلالها حول التطورات الأخيرة في لبنان والمنطقة.
أمام الاجتماع، الذي شارك فيه وزير خارجية لبنان، تحدثت روز ماري ديكارلو وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام، وفولكر تورك المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
تبادل إطلاق النار شبه اليومي
قالت ديكارلو إن الخطر الذي يهدد الأمن والاستقرار، ليس فقط في لبنان بل وأيضا في المنطقة، لا يمكن أن يكون أكثر وضوحا أو خطورة. وأضافت: “مع اقترابنا من عام كامل من تبادل إطلاق النار شبه اليومي عبر الخط الأزرق وإراقة الدماء في غزة، فقدنا الكثير من الأرواح، ونزح الكثير من الناس، ودُمِرت الكثير من سبل العيش”.
وأشارت إلى اتساع نطاق الضربات وتبادل إطلاق النار وكثافته بين حزب الله وغيره من الجماعات المسلحة غير الحكومية في لبنان والقوات الإسرائيلية عبر الخط الأزرق، الفاصل بين لبنان وإسرائيل. وتحدثت عن انفجار العديد من أجهزة الاتصال أو “أجهزة النداء” (بيجر) التي يستخدمها في المقام الأول أعضاء حزب الله، بشكل متزامن في مختلف أنحاء لبنان، ووقوع انفجارات مماثلة في سوريا.
وقالت المسؤولة الأممية: “إن خطر توسع دائرة العنف هذه خطير للغاية ويشكل تهديدا خطيرا لاستقرار لبنان وإسرائيل والمنطقة بأكملها”.
دعوة للدبلوماسية
وأكدت وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام أن المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، هينيس-بلاسخارت على اتصال دائم بجميع الجهات المعنية، حيث واصلت الدفع نحو حل دبلوماسي وحذرت من المزيد من التصعيد.
وقالت ديكارلو كذلك إنه “في خضم السياق الإقليمي الهش، تستمر الحرب المدمرة في غزة”. وكررت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف فوري لإطلاق النار، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن المتبقين، والزيادة الهائلة في المساعدات الإنسانية المقدمة إلى غزة.
ودعت جميع الأطراف بقوة إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتجنب أي تصعيد آخر. وحذرت من أنه إذا استمرت الأمور على هذا النحو، “فإننا نخاطر برؤية حريق هائل قد يتضاءل أمامه حجم الدمار والمعاناة التي شهدناها حتى الآن”.
وأكدت أن الأوان لم يفت بعد لتجنب مثل هذه “الحماقة”، “فما زال هناك مجال للدبلوماسية، والتي يجب استخدامها دون تأخير”.
فولكر تورك
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك أعرب عن الجزع إزاء اتساع وتأثير الهجمات التي وقعت يومي 17 و18 سبتمبر في لبنان على المدنيين عندما انفجرت أجهزة نداء (بيجر) وأجهزة اتصالات لاسلكية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية.
وقال تورك: “أدى هذا إلى إطلاق العنان للخوف والذعر والرعب على نطاق واسع بين الناس في لبنان، الذين يعانون بالفعل من وضع متقلب بشكل متزايد منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، ويرزحون تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة وطويلة الأمد”.
وشدد على أن هذا الأمر لا يمكن أن يكون هو الوضع الطبيعي الجديد، مذكرا بقواعد الحرب التي لها هدف أساسي يتمثل في حماية المدنيين بشكل فعال. ونبه إلى أن الاستهداف المتزامن لآلاف الأفراد، سواء كانوا مدنيين أو أعضاء في جماعات مسلحة، دون معرفة من كان بحوزته الأجهزة المستهدفة وموقعها ومحيطها وقت الهجوم، ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني في حدود قابليته للتطبيق.
وقال المسؤول الأممي: “إن ارتكاب العنف بهدف نشر الرعب بين المدنيين يعد جريمة حرب”. وجدد الدعوة إلى إجراء تحقيق مستقل وشامل وشفاف في ملابسات هذه الانفجارات، مشددا على ضرورة “محاسبة أولئك الذين أمروا بهذه الهجمات ونفذوها”.
غزة والضفة الغربية
وأشار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إلى أن تلك الهجمات وقعت في خضم الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله، والتي تسببت منذ الثامن من أكتوبر 2023 في سقوط ضحايا من المدنيين على الجانبين.
وقال: “إن هذا الوضع المأساوي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن كل ما سبق. فهو مرتبط بالحرب في غزة، والعنف المتصاعد في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، واستمرار احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية”.
وشدد على أن إنهاء الحرب في غزة وتجنب صراع إقليمي شامل يشكل أولوية مطلقة وعاجلة، داعيا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل مستمر إلى جميع أنحاء القطاع، الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن المحتجزين في غزة.
وقال كذلك إن الاعتقال التعسفي من قبل إسرائيل لآلاف الفلسطينيين يجب أن ينتهي.
مزيد من الدمار
وحذر المسؤول الأممي من أن “الاستمرار على هذا المسار من خطاب الحرب الملتهب من جميع الأطراف والتصعيد العسكري المتهور لا يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار”، داعيا إسرائيل وحزب الله إلى وقف الأعمال العدائية على الفور.
وقال تورك إن شبح ماضي هذه المنطقة – دورات الصراع التي لا تنتهي، والتي تم خلالها تجاهل مظالم حقوق الإنسان وأسبابها والدوس عليها – ملموس وحاضر في كل مكان.
وأضاف أن: “تعقيد هذه اللحظة والمخاطر التي يواجهها الناس في كل مكان تتطلب من المجتمع الدولي المزيد لتحقيق سلام دائم. إن هذه الأزمة تتطلب شجاعة وقيادة سياسية”.
لبنان
وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب شدد على أن اللجوء إلى تفجير آلاف أجهزة الاتصال عن بعد “بشكل جماعي وغادر دون اعتبار لمن يحملها أو لمن يوجد بالقرب منها. يعد أسلوبا قتاليا غير مسبوق في وحشيته وإرهابه”.
وأضاف أن استهداف آلاف الأشخاص من مختلف الفئات العمرية وفي مناطق واسعة أو مكتظة بالسكان تشمل كافة المناطق اللبنانية أثناء ممارستهم لحياتهم اليومية في المنازل والشوارع وأماكن العمل ومراكز التسوق، “هو الإرهاب بعينه، وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني وشرعة حقوق الإنسان، ويصنف من دون أدنى شك كجريمة حرب”.
وأشار إلى أن “المغامرة الجديدة التي تبشرنا بها إسرائيل” قد تؤدي إلى حرب إقليمية طاحنة تختلف عن كل سابقاتها من حيث رقعتها الجغرافية على امتداد الشرق الأوسط.
ودعا مجلس الأمن إلى إدانة الهجمات الإسرائيلية بصورة واضحة وصريحة، وتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تخطيط وتنفيذ وما تشكله من “اعتداء سافر” على سيادة لبنان وسلامة أراضيه، و”خرق صارخ” لميثاق الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن رقم 1701.
وختم بو حبيب كلمته بالقول “أعطوا السلام فرصة قبل فوات الأوان. ألم تشبع إسرائيل حروبا وقتلا ودمارا؟ ألم يحن الوقت بعد لاختصار المسافات والعذابات علينا جميعا، لنزع بذور مستقبل أفضل لشعوبنا؟”
اسرائيل
مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة، داني دانون أكد أن بلاده لن تسمح لحزب الله بمواصلة استفزازاته، مشيرا إلى أن “إسرائيل لا تسعى إلى صراع أوسع نطاقا”. وقال دانون: “لن نسمح بأن يعيش شعبنا تحت التهديد المستمر. ولن نسمح لحزب الله باستخدام الأراضي اللبنانية كمنصة لإطلاق أعمال العنف”.
وذكر أن حزب الله أطلق مئات الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين في الشمال، مضيفا “لم يكن هذا استفزازا. كان هجوما مدروسا لإظهار الدعم لحماس”. وأكد دانون أن إسرائيل ستعيد الأمن إلى حدودها الشمالية، وذكر أن الهدف هو إعادة مواطنيهم النازحين. وأضاف أن حزب الله “حوّل جنوب لبنان إلى منطقة حرب، مستخدما منازل المدنيين كمخازن للأسلحة”.
وقال موجها كلامه إلى وزير الخارجية اللبناني “لقد سمحتم لمنظمة إرهابية بإنشاء دولة داخل دولتكم، تجلب الخراب لشعبكم…. يجب أن تتخذوا الإجراءات الآن لكبح جماح حزب الله وتجنب المزيد من التصعيد. إذا استمريتم في تجاهل عدوانه، فإن آلام ومعاناة الشعب اللبناني ستكون على أكتافكم”.
ودعا داني دانون مجلس الأمن إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل في سعيها لاستعادة أمنها، “لأنها ليست حرب إسرائيل فحسب، وإنما حرب ضد الإرهاب وعدم الاستقرار، وضد القوى التي تسعى إلى تدمير السلام في المنطقة”.
الجزائر
أعلن مندوب الجزائر بالأمم المتحدة أن “استهداف أجهزة الاتصالات في لبنان يعتبر سابقة خطيرة وإسرائيل تدفع بالمنطقة إلى الحرب”.
إيران
أعلن المندوب الإيراني في الأمم المتحدة أن “إيران تظهر باستمرار أقصى درجات ضبط النفس من أجل السلام الإقليمي والأمن ومحادثات وقف إطلاق النار في غزة”.
روسيا
واعتبر المندوب الروسي بالأمم المتحدة أن تفجير أجهزة الاتصالات في لبنان محاولة لجر المنطقة لحرب شاملة.